“تقنين الكيف في ريف المغرب: آمال التنمية وتحديات الواقع”
اتخذ المغرب قرارًا تاريخيًا بتقنين زراعة الكيف (القنب الهندي) في عام 2021، وهو القرار الذي جاء بعد سنوات من الجدل والضغوط الداخلية والخارجية. يفتح هذا القرار أفقًا جديدًا لمناطق جبال الريف التي لطالما اعتمدت على هذه الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، رغم التحديات القانونية والاجتماعية التي رافقتها لعقود. من خلال هذا التقنين، يطمح المغرب إلى دمج هذه الزراعة في الاقتصاد الرسمي، وبالتالي تقليل الآثار السلبية المرتبطة بها، مثل التهريب والسوق السوداء، وتحقيق عوائد مالية تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للمناطق المهمشة.
لكن رغم هذه الخطوة الطموحة، يظل الواقع معقدًا. فالتطبيق الفعلي للقانون ما زال محدودًا، حيث لا تشمل الرخص الممنوحة سوى نسبة ضئيلة من المزارعين، ما يطرح تساؤلات حول قدرة هذه الإجراءات على تنظيم القطاع بشكل كامل. بالإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد تحديات في توفير البدائل الاقتصادية لمزارعي الكيف، الذين يرزحون تحت وطأة البطالة وغياب فرص العمل، في مناطق تعاني من ضعف في البنية التحتية والخدمات الأساسية. ورغم المحاولات السابقة من قبل الحكومة لتحفيز الزراعة البديلة، مثل الأشجار المثمرة وتربية الماشية، إلا أن هذه التدخلات لم تحقق النجاح المطلوب لأنها لم تعالج جذور المشكلة الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت الفلاحين إلى الاعتماد على زراعة الكيف.
من جهة أخرى، يطرح البعض فكرة تقنين الاستخدام الترفيهي للكيف كأداة لتحقيق المزيد من العائدات الاقتصادية. فالتجارب الدولية في دول مثل هولندا وكندا أثبتت أن هذا النوع من التقنين يمكن أن يقلل من السوق السوداء ويحقق إيرادات ضريبية كبيرة. إلا أن هذه الفكرة تواجه مقاومة كبيرة في المغرب، حيث يتداخل الحذر الديني والثقافي مع السياسة الاقتصادية. ويظل النقاش حول هذه القضية معقدًا، حيث تظل التحفظات المجتمعية تشكل عائقًا أمام تفعيلها.
ورغم أن التقنين قد يفتح آفاقًا اقتصادية واعدة، إلا أن نجاحه يبقى رهينًا بتحقيق تحولات بنيوية في المناطق المستهدفة. ففي مناطق مثل الحسيمة وشفشاون، يعاني السكان من ضعف في البنية التحتية، حيث تفتقر إلى خدمات الصحة والتعليم، ويعاني الشباب من البطالة. لتحقيق التحول المطلوب، لا بد أن ترافق السياسات التشريعية استثمارات حقيقية في تطوير الطرق والمستشفيات والمدارس، بالإضافة إلى توفير الدعم الفني والمالي للمزارعين، بما يعينهم على الانتقال إلى الزراعة القانونية.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بإصدار تراخيص لعدد من المزارعين، لا يزال التطبيق ضعيفًا ومحدودًا، إذ لا تشمل التراخيص سوى نسبة قليلة من الفلاحين. أظهرت الأرقام أن عدد الرخص في 2024 قد شهد تحسنًا مقارنة بالعام الماضي، لكن التفاوت بين الأقاليم يظل قائمًا، خاصة فيما يتعلق بالفرص المتاحة للمزارعين في المناطق الأكثر تأثرًا مثل الحسيمة وشفشاون. ويظهر أن هناك نقصًا في التنسيق مع المجتمع المدني، وهو ما يعوق الوصول إلى أوسع قاعدة من المزارعين، ويعرقل التنفيذ الفعلي للقانون.
وفي هذا السياق، أشار محمد اعبوت، الإعلامي المغربي، إلى أن التقنين يمكن أن يشكل فرصة تاريخية إذا تم تفعيل القانون بشكل فعّال وترافقه سياسات تنموية شاملة. وأضاف أن التجربة الناجحة يجب أن تشمل استثمارات في مجالات البنية التحتية وتوفير فرص العمل البديلة للمزارعين، وذلك لضمان نجاح هذه المبادرة على المدى الطويل.
رغم هذه التحديات، تظل فكرة تقنين الكيف فرصة تاريخية لتغيير واقع هذه المناطق، إذا تم تفعيل القانون بشكل فعّال وترافقه سياسات تنموية شاملة. في النهاية، لن يكون التقنين مجرد خطوة قانونية، بل سيتعين على المغرب تحويله إلى قاطرة للتنمية المستدامة، عبر دعم الفلاحين وتطوير المناطق الريفية، مما سيعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ككل.
تحرير:سلمى القندوسي