أنهى حياته بسبب المرض… فكفّروه بسبب الجهل! مأساة سعيد بنجبلي في مجتمع بلا شفقة

في مجتمعات لا تزال ترى المرض النفسي ضعفًا، وإنهاء الحياة كفرًا، والألم النفسي نوعًا من قلة الإيمان، لم يكن لسعيد بنجبلي فرصة حقيقية للفهم أو الدعم. لقد كان مجرد رجل يعاني، لكن بدل أن يجد يدًا تمتد لمساعدته، وجد أصابع تتهمه، وألسنة تلعنه، وقلوبًا قاسية تحاكمه حتى بعد موته.

سعيد بنجبلي لم يكن سوى إنسان عادي، مواطن مغربي حاول أن يعيش حياة طبيعية رغم معاناته الطويلة مع مرض “ثنائي القطب”، أحد أخطر الاضطرابات النفسية. هذا الداء الخبيث يتأرجح بصاحبه بين نوبات اكتئاب قاتلة وهوس مفرط، حتى يستهلك روحه بالكامل. قاوم سعيد هذه العواصف لسنوات، حاول أن يجد طريقًا للاستقرار، لكنه كان يخوض معركة وحيدًا.

هاجر إلى بوسطن، أسس أسرة، بحث عن بداية جديدة، لكنه لم يستطع الهرب من المرض الذي يسكن داخله. حاول النهوض بعد كل سقوط، لكنه كان يخوض معركة غير متكافئة ضد ألم لا يُرى، ضد انهيارات لا تُفهم، وضد مجتمع لا يعترف إلا بما يراه بعينيه الضيقتين.

وحين اشتد به المرض، وبلغ به اليأس حدًا لا عودة منه، أنهى حياته. كانت هذه نهاية معاناة رجل ظل يصرخ طلبًا للنجدة، لكن لم يسمعه أحد. وهنا، كان يفترض أن تنتهي قصته، لكن القساة لم يتركوه وشأنه حتى في موته.

لم يُنظر إلى سعيد بنجبلي كضحية مرض نفسي قاتل، بل وُصف بـ”الكافر”، وتُركت أسرته تتجرع مرارة الألم دون أي كلمة عزاء، بل بسيلٍ من الإدانات القاسية والاتهامات الجاهلة. وكأن المرض النفسي يُنقص من إنسانيته، وكأن إنهاء الحياة يلغي كل معاناته ويحوّله إلى “مجرم” حتى بعد رحيله.

إن من يُكفّر من قرر إنهاء حياته بعد صراع طويل مع مرض عقلي، يشبه تمامًا من يلوم مريض السرطان على موته، أو يتهم ضحية جلطة دماغية بالضعف. لكن في مجتمعات لا تزال تسجن نفسها في قوالب قديمة، يُعتبر المرض النفسي ترفًا، وإنهاء الحياة خيانة، بدل أن يكون صرخة ألم أخيرة لم تجد من يستمع إليها.

لقد قال الفيلسوف الألماني نيتشه: “من يحيا بمحاربة الوحوش، عليه أن يحذر ألا يصبح واحدًا منهم”. وهذا بالضبط ما حصل مع البعض، فقد نسوا إنسانيتهم في سعيهم لمحاكمة الموتى، فأصبحوا قضاة قساة بلا شفقة، جلادين يحكمون على من رحل باللعن بدل أن يتأملوا في حجم الألم الذي أوصله إلى ذلك.

هل كان المطلوب من سعيد أن يتحمّل مرضه وحده؟ أن يعيش في صمت حتى ينهار جسده وعقله تمامًا؟ أليس الأولى أن نسأل: لماذا لم يجد يدًا تمسك به قبل أن يسقط في الظلام؟

إن المجتمع الذي لا يعترف بالمرض النفسي، ولا يوفر العلاج المناسب، ولا يمنح الدعم النفسي، هو نفسه المسؤول عن دفع أفراده إلى الهاوية. وما حدث لسعيد بنجبلي يجب أن يكون درسًا لنا جميعًا: لا تحكم على من لا تعرف معاناته، ولا تتكلم عن الألم الذي لم تجربه، وإن لم تستطع أن تكون رحيمًا… فاصمت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى