عقدة الملكية والمغرب لدى عبد المجيد تبون: هوس يسيطر على النظام الجزائري

عبد العزيز كوكاس

تعد تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن المغرب والملكية سابقة من نوعها في الخطاب السياسي، فهي تبتعد عن الأعراف الدبلوماسية وتكشف عن عقدة مستحكمة في شخصيته، مما يعكس الصراع السياسي المستمر بين الجزائر والمغرب. هذا الصراع، الذي لم يخلُ من محاولات الوفاق في السابق، أصبح اليوم أكثر استفزازاً بسبب تصريحات تبون التي توحي بعقدة “الملكية” و”المغرب” التي قد تكون وصفها علماء النفس بـ “متلازمة المغرب والملكية”.

و تصريحات تبون الأخيرة التي تناول فيها الملكية والنظام الملكي في المغرب بأسلوب هجومي مباشر، تعكس تصعيداً غير مسبوق في هذا الصراع. ففي الماضي، كانت العداوات السياسية بين الجزائر والمغرب تتم في إطار دبلوماسي محصور في التلميحات والرمزيات، بينما اختار تبون أن يتجاوز كل ذلك بالتصريحات القاسية، ما يعكس شعوراً عميقاً بالعقدة تجاه نظام ملكي يحظى بتوافق داخلي واستقرار سياسي لا يتوفر للجزائر تحت حكمها العسكري.

إن الحديث عن النظام الملكي وكأنه إرث قديم يعود إلى مرحلة الستينيات، يعكس حالة من الجمود الفكري لدى الرئيس الجزائري. هذه التصريحات تأتي في وقت تعيش فيه الجزائر أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث يتزامن تحامل تبون مع مشاكل داخلية حادة، بما فيها مطالب الشعب الجزائري بحكم مدني بعيد عن هيمنة الجيش. يُظهر ذلك مدى انقطاع تبون عن العصر الحالي، حيث تعيش الجزائر في ظل نظام عسكري خاضع لموازين القوى الداخلية أكثر من تطلعات الشعب.

و الصراع بين المغرب والجزائر ليس جديداً، فقد بدأ منذ حرب الرمال، وكان مرتبطاً بصراع حول النفوذ الإقليمي، وليس حول قضايا هامشية كما قد يظن البعض. لكن مع تبون، اتخذ الصراع أبعاداً شخصية وعلنية، بل وأصبح أكثر عنفاً في اللفظ. ففي الوقت الذي كان فيه كل من هواري بومدين والحسن الثاني يفضلان إبقاء العداء في الإطار الدبلوماسي المحترم، يظهر تبون اليوم في خطاباته وكأن المغرب هو العدو الرئيسي، مُعبراً عن حالة من الغضب والقلق المستمرين.

و تغير الخطاب مع تبون بعد انتخابه رئيساً، حيث لم يتردد في مهاجمة الملكية في المغرب بكل وضوح، وهو ما لم يفعله أي من أسلافه، بما في ذلك في أوقات الحرب. فحتى في أوج الصراع العسكري بين البلدين، كان الرئيس الجزائري يتجنب الإشارة الصريحة إلى المغرب أو الملك الحسن الثاني، محتفظاً بأسلوب أكثر دبلوماسية. لكن تبون لا يفوت مناسبة إلا ويذكر فيها المغرب والملك، مستعرضاً العديد من الاتهامات والهجوم المباشر على سياسات المملكة، حتى دون وجود سياق يبرر هذا الهجوم.

و تحليلات هذا السلوك تؤكد أن تبون يسعى لإرضاء المؤسسة العسكرية التي تدعمه، ويبدو أن هجماته على المغرب تتعدى السياسة لتصل إلى ما يشبه الهوس، وهو ما يعكس حالة من الاضطراب النفسي الداخلي لدى الرئيس الجزائري. ليس هذا فحسب، بل إن التوتر مع المغرب يبدو وكأنه يشكل جزءاً من سياسة تبون لإثبات ولائه للجنرالات في الجيش الجزائري، الذين لا يزالون يمسكون بزمام الأمور.

قد يكون من المفيد محاولة فهم خلفيات هذا الهجوم المتكرر على المغرب في إطار المسار السياسي لعبد المجيد تبون. فالرئيس الجزائري بدأ مسيرته المهنية كموظف حكومي في البنية العميقة للسلطة العسكرية الجزائرية، ويبدو أن هذه التجربة قد طبعته بتصورات قديمة عن علاقة الجزائر بالمغرب. فحتى عندما كان والياً على بشار، كانت علاقته بالمغرب تتسم بالتوتر، وهو ما استمر حتى وصوله إلى رئاسة الجمهورية.

هذا التوتر، الذي لا يبدو أن له مبرراً حقيقياً، قد يكون ناتجاً عن رغبة تبون في الحفاظ على دعم الجيش، وهو ما يفسر لماذا لا يتوانى عن مهاجمة المغرب بشكل مستمر. لكن هذه السياسات لا تخدم مصالح الشعب الجزائري ولا تعكس الواقع الجديد الذي يحتاج إلى تعاون إقليمي وبناء تحالفات اقتصادية وسياسية بدل العداء العبثي. وتظل الفرصة قائمة أمام الأجيال المقبلة في المغرب والجزائر لتحقيق الاستقرار والنمو المشترك، وهو ما يبدو بعيداً عن مرمى الرغبات السياسية لبعض القادة الحاليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى