لقاء الإخوة في مداغ.. حين يعانق الصفح الدَّم فيرتفع الكلام وتفنَّد اشاعات الخلاف

الصورة التي جمعت منير القادري بودشيش ومعاذ القادري بودشيش في مداغ ليست مجرد مشهد عابر، بل هي معنى يتجسد في زمن ضاق بالحكمة واتسع بالأقاويل، فإذا بالرحم تنتصر على التنازع، والصفح يعلو على الجدل، وتعود اليد إلى اليد والقلب إلى القلب.

الدم حين يحنّ، يغدو الصمت أبلغ من الخطب، وتصبح الابتسامة رسالة لا يقرؤها إلا الذين يعرفون أن الإخوة إذا تفرقت بهم الدروب، تظل الذاكرة تسوقهم إلى لحظة تصافح واحدة تمحو كل ما سبقها. إن في هذه اللحظة معنى يليق بمقام الصالحين الذين يعرفون أن اللقاء عند الصدق أعلى منزلة من انتصار الجدل، وأن الأخوّة إذا عادت، فإنها تعود نقية كأنها لم تُكدّر يومًا.

مداغ، التي تحمل ذاكرة الجدود وصلوات الأمهات ودموع الليالي، كانت شاهدة على هذه اللحظة التي انتصر فيها الصفح، وانكشفت فيها المعادن، وسقطت فيها الأوهام. إن الأخوة حين تختار الصفح، لا تفعل ذلك ضعفًا، بل تفعل ذلك رحمة، والرحمة من أسمى مراتب القوة.

لقد اجتهدت الألسنة في تفسير الصمت ونسج الخلاف، لكن اللقاء وحده كان كافيًا ليطوي الروايات ويترك أثرًا في النفوس: أن الدم الذي يجري في العروق أقوى من الرياح التي تحاول إطفاء المصابيح، وأن ما يجمع القلوب حين تصفو، لا يفرقه شيء مهما طال الكلام.

إن اللقاء في مداغ ليس مجرد صورة، بل تربية للقلوب على الصلح، وإعلان بأن الصفح ميراث الكبار، وأن الصمت الذي يعقبه العناق خير من مائة جدال، وأن اليد إذا امتدت صافية، عادت معها البركة إلى الخطى، وعاد السلام إلى السريرة.

إنها لحظة تحبس الأنفاس لأنها تفتح باب الأمل: مهما ارتفعت الأصوات، يبقى للدم رسالته التي لا تقبل الانطفاء، ويبقى الصفح لغة الذين عرفوا أن اللقاء فوق الخلاف، وأن الأخوّة باب لا يُغلق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى