“عقود الفراولة بين حلم العبور ووجع الفراق… من يرمم شقوق البيوت؟”

بقلم: عادل بالماحي
تظلّ عقود العمل الموسمي في حقول الفراولة بإسبانيا واحدة من أكثر الملفات الاجتماعية حساسية وتعقيداً، لأنها تقف في نقطة تقاطع بين حلم اقتصادي مشروع و ثمن اجتماعي باهظ. بالنسبة لآلاف النساء، تشكّل هذه العقود طوق نجاة حقيقياً؛ فرصة نادرة لانتشال الأسر من الفقر، وسداد الديون، وبناء مستقبل أكثر استقراراً. لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل واقع آخر صامت، يختبئ خلف صور الحقول الخضراء: بيوت تتصدع، أطفال يكبرون في غياب أمهاتهم، وزوجات يغادرن بحثاً عن الرغيف وهنّ يحملن خوف التفكك على أكتافهن.
اليوم، لم يعد الحديث مقتصراً على الاقتصاد وفرص الشغل فقط، بل أصبح ضرورياً أن نفتح نقاشاً عميقاً حول الآثار الاجتماعية التي تُخلفها هذه الهجرات الموسمية. هل يعقل أن يتحول باب الرزق إلى باب مشاكل داخلية؟ وكيف يمكن أن نغضّ الطرف عن حالات تفكك أسري باتت تتكرر كل سنة؟
أين هي المؤسسات؟ وأين هي الدولة من هذا الملف؟
هل يكفي أن نرسل آلاف النساء عبر بوابة “العمل الموسمي” دون برامج مرافقة، ودون تأطير نفسي واجتماعي، ودون حماية حقيقية؟
هل نكتفي بتدبير إداري بارد، بينما الواقع يفرض رؤية إنسانية أكثر عمقاً؟
ثم، ما الذي يمنع من خلق بدائل اقتصادية داخلية تضمن كرامة المرأة دون أن تضطر لترك أطفالها لأشهر طويلة؟
الوقت حان لإعادة صياغة النقاش. لسنا ضد فرص الشغل، ولسنا ضد تحسين الدخل… لكننا ضد العشوائية وضد ترك الأسر تواجه مصيرها وحدها.
نحتاج إلى مقاربة جديدة تجمع بين الاقتصاد والإنسان، بين حماية الحقوق و حماية البيوت، بين فتح الأبواب و ترميم الجدران التي تتشقق بصمت.
إن عقود الفراولة ليست مجرد رحلة عمل… إنها قصة أمل معلّق بين ضفّتين. والسؤال الذي لم يعد قابلاً للتأجيل:
هل نحن مستعدون لحماية هذا الأمل قبل أن يتحول إلى ألم؟




