حين يتحول الهجوم إلى دعاية مجانية: قراءة في خرجات محمد أوزين ضد “شوف تيفي”

بقلم : عادل بالماحي
في زمنٍ لم تعد فيه المعارك السياسية تُخاض فقط داخل البرلمان أو عبر البرامج الانتخابية، بل صارت تُدار كذلك عبر المنصات الرقمية، يطرح الجدل الذي أثارته خرجات محمد أوزين ضد موقع “شوف تيفي” سؤالاً جوهرياً:
هل نحن أمام دفاع عن صورة سياسية، أم أمام حملة دعاية مجانية غير محسوبة النتائج؟
محمد أوزين، السياسي الذي خبر دهاليز الإعلام والسياسة معاً، اختار مواجهة “شوف تيفي” بشكل مباشر، معتبراً ما ينشره الموقع استهدافاً ممنهجاً. غير أن هذه المواجهة، بدل أن تُضعف المنصة الإعلامية، منحتها زخماً إضافياً، ودفعت جمهوراً أوسع إلى متابعتها والبحث في محتواها. وهنا تكمن المفارقة.
من يربح المعركة فعلاً؟
في منطق الإعلام، كل هجوم علني على وسيلة إعلامية ذات انتشار واسع يتحول – عن قصد أو غير قصد – إلى ترويج لها. فحين يهاجم سياسي بحجم أوزين منصة رقمية، فهو يقرّ ضمنياً بقوتها وتأثيرها، ويمنحها شهادة “الزعامة” في الفضاء الذي تنشط فيه.
اللافت أن هذا النوع من الردود لا يُربك المنصات الإعلامية بقدر ما يُغذيها. فالجمهور، بطبيعته الفضولية، يتجه لمعرفة “ما الذي أغضب السياسي؟” بدل أن يقتنع بخطاب الإدانة وحده.
أما فيما يخص علاقة السياسة والإعلام فهي علاقة شدّ وجذب
ولا يمكن فصل هذا الجدل عن السياق الأوسع للعلاقة المتوترة بين السياسيين والإعلام الرقمي. فبعض الفاعلين السياسيين ما زالوا يتعاملون مع المنصات الإلكترونية بذهنية الإعلام التقليدي، غير مدركين أن منطق “الرد والهجوم” لم يعد فعالاً، بل قد يكون مكلفاً من حيث الصورة والرسائل غير المباشرة.
فبدل تفكيك مضمون ما يُنشر أو مواجهته بالمعطيات والحجج، يتحول الخطاب أحياناً إلى اتهام مباشر، وهو ما يخدم المنصة أكثر مما يخدم السياسي.
وبخصوص حرية التعبير وحسابات الذكاء السياسي
ليس المطلوب من أي سياسي أن يلتزم الصمت أمام ما يعتبره إساءة، لكن الذكاء السياسي يفرض اختيار المعركة بعناية، ومعرفة متى يكون الرد ضرورة، ومتى يصبح مجرد وقود لدورة إعلامية لا تنتهي.
في حالة أوزين و”شوف تيفي”، يبدو أن الكفة مالت لصالح المنصة الإعلامية، التي خرجت من الجدل أكثر حضوراً وانتشاراً، بينما وجد السياسي نفسه في موقع من يلاحق خطاباً إعلامياً بدل أن يفرض أجندته الخاصة.
وما حدث يؤكد حقيقة باتت معروفة في عالم الإعلام الجديد:
ليس كل هجوم يُضعف، وليس كل ردّ يُنقذ الصورة.
أحياناً، يكون الصمت المدروس أو النقاش الهادئ أكثر تأثيراً من المواجهة الصاخبة، لأن المعركة الحقيقية اليوم ليست في رفع الصوت، بل في التحكم في السردية.




