تنحي الشيخ منير القادري عن مشيخة الزاوية القادرية البودشيشية: خطوة للحفاظ على وحدة الصف وتماسك البيت الروحي

في خطوة وُصفت بأنها ذات دلالة رمزية عميقة داخل المشهد الصوفي المغربي، أعلن الشيخ منير القادري بودشيش، يوم الثلاثاء 18 صفر 1447 هـ الموافق لـ 12 أغسطس 2025، قراره التنحي عن مشيخة الزاوية القادرية البودشيشية لصالح شقيقه معاذ القادري، مبررًا قراره بضرورة الحفاظ على وحدة الصف داخل البيت الروحي ومنع أي بوادر للتفرقة أو التشرذم.

البيان، الذي صيغ بلغة متشبعة بالموروث الروحي والأخلاقي للطريقة، أكد على أن المشيخة تكليف قبل أن تكون تشريفًا، وأن ميزانها الإخلاص وحمل الأمانة، معتبرًا أن ما كان لله “دام واتصل” وما كان لغير الله “انقطع وانفصل”. وجاء فيه أن القرار جاء بعد استخارة ومناجاة، بهدف “ستر البيت وجمع الشمل” ورد الأمور إلى مقاصدها الأولى: صفاء القصد وصحة التوجه وخدمة العباد والبلاد.

من زاوية تحليل اجتماعي، يعكس هذا الموقف وعيًا بضرورة إدارة الانتقال في القيادة الروحية بطريقة تحافظ على استمرارية السند الرمزي وتجنّب الانقسامات التي قد تنشأ في مثل هذه السياقات. فالزوايا المغربية، بما تحمله من إرث روحي ومكانة اجتماعية، ترتكز على توازن دقيق بين الشرعية الروحية الموروثة، والاعتبارات الواقعية التي تفرضها طبيعة الجماعات الصوفية.

الشيخ منير دعا في بيانه المريدين والمريدات، والفقراء والفقيرات، إلى الالتفاف حول الشيخ الجديد، مع التحلي بالأدب وحسن الظن، والابتعاد عن الجدال وإغلاق أبواب التأويلات والظنون، حفاظًا على قدسية البيت وخصوصية طريقته. كما جدد التأكيد على وفاء الزاوية لثوابت المملكة المغربية وخدمتها للدين والإنسان والوطن، في إطار الانضواء تحت إمارة المؤمنين، والعمل على نشر مكارم الأخلاق والتزكية والتعاون على البر والتقوى.

إلى جانب البعد الداخلي للقرار، حمل البيان أيضًا بعدًا وطنيًا واضحًا، إذ ربط استقرار البيت الصوفي بالتماسك الاجتماعي العام، وأكد على دور الزوايا في دعم الوحدة الوطنية والحفاظ على قيم الوسطية والاعتدال. وهو ما يتسق مع الدور التاريخي للزوايا في المغرب باعتبارها مؤسسات دينية-اجتماعية ذات وظيفة مزدوجة: الروحية والسياسية الرمزية

في ختام بيانه، وضع الشيخ منير “الأمانة” بين يدي شقيقه، معلنًا استمراره في خدمة الطريق كمساند وداعٍ، ومؤكدًا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وأن من يتخلى عن حظ نفسه يزيده الله تمكينًا في قلوب العباد. ليكون المشهد بذلك ليس مجرد تنازل عن منصب، بل انتقالًا من القيادة المباشرة إلى دور الضامن والحارس للمعنى الروحي، في إشارة إلى أن القيادة الحقيقية قد تتجلى أحيانًا في القدرة على الانسحاب من مركز القرار حفاظًا على المصلحة العليا للجماعة.

المصدر:#كود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى