تفاؤل رسمي وتحفظ علمي يواكبان اختبارات الغاز الطبيعي بجرسيف

تحريـــر :هنـــد أكجيـــل

تثير اختبارات إنتاج الغاز الطبيعي بمنطقة جرسيف التي أعلنت عنها مؤخراً الجهات الرسمية جدلاً بين من يراها خطوة استراتيجية نحو تعزيز السيادة الطاقية للمملكة ومن يضعها في خانة المبادرات الترويجية التي تفتقر إلى ضمانات ميدانية واضحة.

المرحلة الحالية التي تقودها شركة بريطانية متخصصة في الاستكشاف تستهدف الخزان الرملي “A” المعروف بغناه بالغاز البيوجيني وهو نوع من الغاز الطبيعي المتجدد والصديق للبيئة الناتج عن التحلل البيولوجي للمواد العضوية. وقد اعتُبرت هذه الخطوة مؤشراً على دخول المغرب مرحلة جديدة في مسار تنويع مصادره الطاقية وتقليص تبعيته الطاقية الخارجية غير أن عدداً من الخبراء الطاقيين تعاملوا مع هذه التطورات بكثير من التوجس محمد جواد مالزي أستاذ اقتصاديات الطاقة، اعتبر أن الإعلان عن انطلاق اختبارات إنتاج الغاز الطبيعي في جرسيف يحمل رمزية سياسية أكثر مما يعكس تحولاً اقتصادياً فعلياً وأوضح أن مثل هذه المبادرات تمر بمرحلة طويلة من “اختبار الجدوى” تخضع فيها لمعايير دقيقة، أهمها حجم الاحتياطات القابلة للاستخراج، وتكلفة الإنتاج مقارنة بالأسعار المرجعية العالمية، فضلاً عن استدامة تدفق الإنتاج على المدى المتوسط والبعيد.

وأشار مالزي إلى أن القرب الجغرافي لبئر “MOU-3” من خط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي يشكل امتيازاً لوجستياً قد يساهم في خفض تكاليف البنية التحتية. غير أن هذه الميزة وحدها لا تكفي لضمان نجاح المشروع، ما لم تُثبت المعطيات التقنية أن معدل الإنتاج قادر على تغطية التكاليف وتحقيق ربحية قابلة للاستمرار في ظل تقلبات سوق الطاقة
وفي سياق متصل، يرى الخبير ذاته أن الإعلان عن هذه الاختبارات لا يخلو من بعد ترويجي، خاصة بالنسبة للشركات المشغلة المدرجة في الأسواق المالية، حيث تميل هذه الأخيرة إلى استخدام الأخبار التقنية لتعزيز مكانتها السوقية وجذب المستثمرينواعتبر أن رفع القيمة السوقية للشركة قد لا يعكس بالضرورة القيمة الاقتصادية الحقيقية للمشروع ما لم يتحقق إنتاج فعلي وتبدأ العائدات التجارية في التحقق.

من جانبه يرى أمين بنونن الخبير الطاقي والأستاذ السابق بجامعة القاضي عياض، أن ما يجري في جرسيف يُعد خطوة هامة على درب الانتقال الطاقي، لكنه يظل ضمن مرحلة تقنية لا تعني المرور إلى الإنتاج الفعلي. وفسر بنونة أن هذه الاختبارات تُمكن الشركات من التعرف على جودة الغاز عبر استخراجه وحرقه لتقييم قدراته وكفاءته، لكنها تبقى إجراءات أولية لا تُترجم تلقائياً إلى استغلال تجاري مباشر
وأشار بنونة إلى أن مشروع جرسيف ما زال بعيداً عن تلبية الحاجيات الوطنية، مذكّراً بأن أكثر من 90 في المائة من الغاز الطبيعي الذي يستهلكه المغرب يتم استيراده. وبيّن أن الاستهلاك الوطني يناهز مليار متر مكعب سنوياً أي ما يعادل مليون طن مكافئ نفط وهو حجم لا يمكن لأي مشروع محلي في مرحلته الحالية، أن يغطيه أو يقلل من خطورته على الأمن الطاقي الوطني.

وسط هذا التباين بين الخطاب الرسمي والتقييم العلمي، تبقى اختبارات جرسيف مبادرة واعدة ذات إمكانات كبيرة لكنها محفوفة بمخاطر استثمارية وتقنية. فالمؤشرات الإيجابية لا تكفي لوحدها في غياب بيانات دقيقة وتحليلات تكلفة/عائد تضمن فعلياً تحويل هذا المشروع من مرحلة الإعلان إلى أصل طاقي إستراتيجي يعزز الاستقلالية الاقتصادية للمملكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى