الهجرة البيضاء للأطباء.. نزيف يهدد المنظومة الصحية بالمغرب

تتسع في المغرب مخاوف متزايدة من تفاقم هجرة الأطباء نحو الخارج، بعدما أصبحت الظاهرة تمثل تحدياً حقيقياً للمنظومة الصحية، رغم الوعود الحكومية بتحسين أوضاع العاملين في القطاع. فقد أقر رئيس الحكومة، خلال جلسة برلمانية حديثة، بأن جزءاً من الكوادر الطبية غادر المستشفيات العمومية بحثاً عن ظروف أفضل، مبرزاً أن السلطة التنفيذية بادرت إلى مراجعة وضعية الأطباء عبر زيادات مهمة في الأجور والتعويضات، فضلاً عن تسريع الترقيات وتحسين التعويض عن الأخطار المهنية.

لكن الأرقام تكشف أن هذه التدابير لم توقف نزيف الهجرة، إذ يقدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان عدد الأطباء المغاربة الممارسين خارج البلاد بما يتراوح بين عشرة آلاف وأربعة عشر ألفاً، في مقابل ثلاثة وعشرين ألف طبيب فقط يزاولون داخل المملكة. هذا الوضع يعكس عجزاً حاداً، خصوصاً وأن المغرب لا يتوفر سوى على 7.3 أطباء لكل عشرة آلاف نسمة، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بحد أدنى يصل إلى 23 طبيباً.

النقابات المهنية من جانبها ترى أن ما يُسمى بـ”الهجرة البيضاء” لم يعد خياراً شخصياً، بل صار اضطراراً، بفعل ضغوط المهنة وضعف التحفيزات، في وقت تتسابق دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا لاستقطاب الأطباء المغاربة لسد الخصاص لديها. ويؤكد ممثلون نقابيون أن الدولة المغربية تنفق مبالغ ضخمة على تكوين الأطباء، وهو ما يفرض إرساء آليات جديدة وفعالة للحفاظ على هذه الكفاءات داخل الوطن بدل فقدانها.

وتشير تقارير مهنية إلى أن ما بين 600 و700 طبيب يغادرون المغرب سنوياً، أي ما يعادل قرابة ثلث الخريجين الجدد من كليات الطب. ومع استمرار هذا النزيف، تحذر أصوات سياسية من انعكاساته الكارثية على المناطق القروية والهشة، حيث تعاني الساكنة أصلاً من خصاص في الخدمات الصحية ومن غياب التخصصات الحيوية، الأمر الذي يهدد بارتفاع معدلات وفيات النساء الحوامل والأطفال الرضع.

ورغم هذه الصورة المقلقة، تؤكد الحكومة أن مشروع إصلاح القطاع الصحي يشكل أولوية قصوى، ليس فقط باعتباره إصلاحاً قطاعياً، وإنما باعتباره رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد تضاعفت ميزانية الصحة بنسبة تفوق 65 في المئة منذ 2021، لتصل في 2025 إلى 32.6 مليار درهم، مع التعهد باستكمال مشاريع كليات الطب الجديدة ورفع عدد الخريجين لمواجهة الخصاص المتراكم. غير أن التساؤل الجوهري يظل مطروحاً: هل تكفي هذه الإصلاحات والإجراءات لوقف نزيف هجرة الأطباء، أم أن المغرب سيظل يفقد خيرة أطره الطبية لصالح أنظمة صحية أجنبية تبحث عن الإنقاذ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى