الرأي العام ينتظر .. من “ماستر قيلش” إلى “تصاميم العنابي” في انتظار عدالة تسير على قدمين

بين أستاذ جامعي اعتُقل بسبب شهادة ماستر يُشتبه في تزويرها، ورجل أعمال عقاري راكم ثروة تقدَّر بآلاف المليارات ويُحقق معه بشأن رخص وتصاميم، يجد الرأي العام المغربي نفسه وجهاً لوجه أمام مفارقة قانونية لا يمكن تجاهلها:
لماذا تمضي بعض الملفات بسرعة الضوء، بينما تتأنّى أخرى كأنها على مهل نهرٍ في سهول سوس؟

الأستاذ الجامعي المعروف إعلامياً بـ”قيلش” لم يُدان بعد، لكنه أُودع السجن احتياطياً على خلفية ما وُصف بـ”تزوير شهادة ماستر” لفائدة طالب لم يستوفِ الشروط الأكاديمية.

قرار الاعتقال تم بناءً على تحقيقات أولية، وقد حظي باهتمام إعلامي وقانوني واسع، بالنظر إلى رمزية الجامعة وحساسية أخلاقيات التدريس.

إننا هنا أمام جريمة منصوص عليها في الفصل 352 من القانون الجنائي المغربي، والتي تهم التزوير في محررات رسمية أو إدارية، ويُعاقب عليها بعقوبات قد تصل إلى عشر سنوات، حسب ظروف التزوير وهوية الفاعل.

لكن، وعلى الرغم من جدية الملف، فإن أثره المالي على الدولة أو على المنفعة العامة يظل محدوداً، مما يجعل اعتقال الأستاذ قراراً يبعث برسالة قوية، مفادها أن التزوير، أياً كان، لا يُغتفر.

في المقابل، تتجه الأنظار هذه اليوم نحو قضية رجل الأعمال المعروف بـ”العنابي”، الذي وُضع تحت مجهر التحقيق من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لشهور ، ويُعرض على النيابة العامة المختصة في هاته اللحظات بشأن شبهات ثقيلة تشمل:
– استغلال النفوذ،
– التلاعب في وثائق التعمير،
– تضارب المصالح،
– تراكم غير مبرر لثروة فاقت ـ حسب بعض التقديرات الإعلامية ـ حاجز بالملايير .

نحن إذن أمام شبهة الاغتناء غير المشروع، المنصوص عليه في القانون رقم 113.12 المتعلق بالتصريح بالممتلكات، وضمنياً في فصول قانون الجرائم المالية، خصوصاً عندما تكون تلك الثروات متأتية من علاقات مشبوهة مع مؤسسات منتخبة أو سلطات محلية.

ومع ذلك، لا يزال العنابي يتمتع بحقه الكامل في قرينة البراءة، إذ لم يُتخذ بعد في حقه أي قرار قضائي نهائي، ولا حتى تدبير احترازي مشابه لما اتُّخذ في حالة “قيلش”.

السخرية المريرة: ورقة تُسجنك… وتصميم يُغنيك؟

حين نضع الملفين جنباً إلى جنب، تظهر المفارقة الفجة:
– أستاذ جامعي سقط بسبب ورقة ماستر مشكوك فيها،
– ورجل أعمال بقي حرًّا رغم ملفات عمرانية تمس مصلحة عامة، وثروات تتجاوز ميزانيات جماعات ترابية بل مدن وعواصم بكاملها.

لا أحد يطلب السرعة على حساب العدالة، لكن المغاربة، بكل وعيهم المتزايد، باتوا يتساءلون:

هل ما يُحاسب عليه “قيلش” هو التزوير… أم ضعف الوزن المالي؟
وهل ما يؤخّر ملف “العنابي” هو التعقيد… أم الحصانة الرمزية غير المعلنة؟

العدالة لا تزن الناس بميزان الورق، بل بميزان الأثر

العدالة ليست مجرّد تسطير فصول قانونية، بل سيرورة متوازنة تعالج الملفات بحجم آثارها، لا بحجم أصحابها.

فإذا كانت العدالة قد اعتقلت أستاذاً بتهمة تزوير أكاديمي، فالأولى أن تبادر ـ بالسرعة نفسها ـ إلى اتخاذ ما يلزم من تدابير في قضايا تزوير التصاميم ، لأنها تمس الملايين من المغاربة، لا طالباً واحداً ولا شهادة واحدة.

كما جاء في تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات:

“لا معنى لأي إصلاح إداري ما لم يواكبه ربط صارم بين المسؤولية والمحاسبة.”

خلاصة: لا نطلب رأسا… بل ميزاناً مستقيماً

إن الرأي العام لا يريد “قنص رؤوس” ولا “إعدامات إعلامية”، بل يريد فقط عدالة تمشي على قدمين متوازيتين:
– لا تسرع عندما يكون المشتبه ضعيفاً،
– ولا تتباطأ عندما يكون المشتبه نافذاً.

وحتى ذلك الحين…
يظل الأستاذ قيلش في زنزانته ينتظر جلسة،
ويظل المواطنون يتساءلون عن مصير “تصاميم العنابي”…
هل ستحاسبها النيابة العامة بنفس ما حاسبت به ورقة ماستر؟
أم ستبقى “عدالة التصاميم” مؤجلة إلى إشعار آخر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى