الإعلامُ الرسميُّ والإعلامُ الموازي… مَن يصنعُ الروايةَ اليوم؟

بقلم: محمد هلالي
لم نعد نطرحُ اليومَ سؤالَ مَن يملكُ المعلومةَ، بل مَن يملكُ القدرةَ على تحويلِها إلى روايةٍ مقنعة. فبين الإعلامِ الرسميِّ والإعلامِ الموازي، تتشكّلُ صورٌ متعدّدةٌ للحدثِ الواحد، ويجدُ المتلقّي نفسَه أمامَ أكثرَ من رواية، لكلِّ واحدةٍ منطقُها وأهدافُها.
الإعلامُ الرسميُّ يشتغلُ بطبيعته بمنطقِ الاستقرارِ وضبطِ الإيقاع. لغتُه محسوبة، ورسائلُه دقيقة، وسقفُ حركتِه واضح. وهو في كثيرٍ من الأحيان يفضّلُ الصمتَ أو الاختزالَ بدلَ المجازفةِ بتفاصيلَ قد تفتحُ بابَ التأويل. هذا الخيارُ يمنحه صفةَ المصدرِ الموثوق لدى فئةٍ من الجمهور، لكنه في المقابل يجعله أقلَّ تفاعلاً مع سرعةِ الأحداث.
في الجهةِ المقابلة، يتحرّكُ الإعلامُ الموازي بحريةٍ أكبر. منصّاتٌ رقمية، وصفحاتٌ إخباريةٌ غيرُ تقليدية، وصنّاعُ محتوى يشتغلون خارجَ الضوابطِ الكلاسيكية. هذا النوعُ من الإعلام سريعٌ ومباشر، ويعرفُ كيف يلتقطُ نبضَ الشارع، لكنه لا يلتزمُ دائماً بقواعدِ التحقّقِ والتوازن.
لتكونَ النتيجةُ أن الروايةَ لم تعد تُصنعُ في مكانٍ واحد. أحياناً يحدّدُها الإعلامُ الرسميُّ بما يقولُه حيناً، وبما لا يقولُه حيناً آخر. كما يصنعُها الإعلامُ الموازي عبرَ التكرار، وسرعةِ الانتشار، والاعتمادِ على التأثيرِ العاطفي.
في ظلِّ هذا التداخلِ بين الإعلامِ الرسميِّ والإعلامِ الموازي، لم تعد الروايةُ تُفرَضُ من جهةٍ واحدة، بل تتشكّلُ في مساحةٍ مشتركةٍ بين ما يُقالُ وما يُتداول. غيرَ أن هذا التعدّدَ لا يعني بالضرورة تنوّعاً في الحقيقة، بقدرِ ما يعكسُ صراعاً على التأثير.
وبين خطابٍ محسوبٍ وسردٍ سريع، تبقى الحاجةُ قائمةً إلى إعلامٍ يقدّمُ الوقائعَ كما هي، دون تلوينٍ أو تهويل، لأن مصداقيةَ الروايةِ تظلُّ رهينةً بصدقِ نقلِها لا بقدرتِها على الانتشار.




