أزمة النقل الحضري تعري خطاب الاتحاد الاشتراكي بوجدة.. مساءلة برلمانية ومواقف محلية مرتبكة

وجدة – عصام بوسعدة

أعاد السؤال الشفوي الذي وجّهه النائب البرلماني عمر أعنان، عن فريق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بتاريخ 22 دجنبر 2025، إلى وزير الداخلية، بخصوص الوضعية «الكارثية» التي يعيشها قطاع النقل الحضري وسيارات الأجرة، فتح نقاش واسع بمدينة وجدة، لم يتوقف عند حدود اختلالات هذا القطاع الحيوي، بل امتد ليُسلّط الضوء على تناقض المواقف السياسية للحزب بين مستوييه الوطني والمحلي.

ويُعد ملف النقل الحضري بوجدة من أكثر الملفات تعقيدًا وتأثيرًا على الحياة اليومية للساكنة، في ظل تدهور جودة الخدمات، وتقادم الأسطول، واستمرار معاناة المواطنين مع وسائل نقل لا تستجيب لمعايير السلامة والكرامة. غير أن إثارة هذا الملف تحت قبة البرلمان تطرح في المقابل، تساؤلات مشروعة حول مدى انسجام هذا الموقف مع سلوك الحزب داخل مجلس جماعة وجدة، خاصة وأن المسؤولية المباشرة عن تدبير القطاع تقع على عاتق المجلس الجماعي.

ويزداد هذا الجدل حدّة بالنظر إلى أن عمر أعنان يشغل أيضًا صفة الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي بعمالة وجدة–أنكاد، ما يجعله فاعلًا محوريًا في المشهد السياسي المحلي، ويمنحه هامشًا واسعًا لطرح هذا الملف داخل دورات المجلس الجماعي، أو الدفع نحو بلورة مواقف سياسية واضحة في الوقت المناسب.

وفي هذا السياق، سجّل الكاتب الوطني للاتحاد الوطني للنقل الطرقي المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل عزيز الداودي، موقفًا نقديًا لافتًا، حيث إعتبر، في تصريح لجريدة «ديما تيفي»، أن ما يُؤخذ على مستشاري حزب الاتحاد الاشتراكي داخل مجلس جماعة وجدة هو أنهم، ورغم تفاقم أزمة النقل الحضري ووصولها إلى حافة الإفلاس، «لم يكلفوا أنفسهم كحزب عناء اقتراح نقطة واحدة لإدراج هذا الملف ضمن جدول أعمال دورات المجلس».

وأضاف الداودي، أن المستشارين الاتحاديين «لم يجدوا أدنى حرج في المصادقة على نقطة تتعلق بتمكين شركة موبيليس من مبلغ مالي يناهز 3 مليارات سنتيم»، بل واعترضوا في المقابل، حسب التصريح نفسه، على عريضة تقدمت بها إحدى مكونات المعارضة ترمي إلى إسقاط عقد الشركة مع جماعة وجدة، وهو ما يطرح، بحسب تعبيره، علامات استفهام كبرى حول مدى انسجام السؤال البرلماني مع مواقف الحزب داخل الجماعة، وحول وجود تصور حزبي حقيقي لمعالجة هذا الملف الشائك.

ويعيد هذا المعطى إلى الواجهة مرحلة سابقة حاولت خلالها بعض مكونات الأغلبية، من بينها أعضاء من أحزاب الأغلبية بالجماعة ، جمع توقيعات لإقالة رئيس المجلس، على خلفية فشله في تدبير عدد من الملفات، وفي مقدمتها النقل الحضري. غير أن بعض مستشاري الاتحاد الاشتراكي اختاروا حينها الاصطفاف إلى جانب الرئيس، وحرصوا على حضور الدورات لضمان اكتمال النصاب القانوني، دون أن يصدر عن الكاتب الإقليمي للحزب أي توضيح أو موقف سياسي معلن.

وبخصوص ملف سيارات الأجرة الذي طرحه أعنان في سؤاله البرلماني ، اعتبر عزيز الداودي أن الإشكال لا يقتصر فقط على بعض التجاوزات المرتبطة بأخلاقيات المهنة، بل يتجاوزها ليُلامس «مشكلًا بنيويًا ناتجًا عن الخصاص المهول في منظومة النقل». وهو ما دفع المواطنين، «مكرهين لا مخيرين»، إلى المجازفة بحياتهم عبر استعمال وسائل نقل بديلة وغير قانونية، مثل “التروتينات” و“التريبورتورات” و“الهوندات”، التي يشتغل بعضها بغاز البوطان.

وأوضح الداودي أن أزمة قطاع سيارات الأجرة ليست تقنية بقدر ما هي نتيجة تدبيره، لعقود طويلة، بمنطق اقتصاد الريع ونظام الامتياز، مشددًا على أن أي إصلاح حقيقي «لن يرى النور دون تفكيك هذا الريع، ونزع المأذونيات ممن لا تتوفر فيهم شروط الاستحقاق»، معتبرًا أن استمرار استفادة رجال أعمال وفنانين ورياضيين من هذه الرخص ساهم بشكل مباشر في تعميق الأزمة.

وختم الداودي تصريحه بلهجة نقدية حادة، معتبرًا أن النائب البرلماني «ترك الحمار بما حمل وساوم على البردعة»، في إشارة إلى مقاربة جزئية لا تمس جوهر الإشكال.

وفي السياق ذاته، وتعليقًا على الموضوع، أوضح رشيد بشيري، رئيس المركز المغربي للتواصل وحقوق الناس، في تصريح لجريدة «ديما تيفي»، أن «الهيئة الحقوقية التي يترأسها تسجل وجود ازدواجية واضحة في التعاطي مع الملفات التي تهم ساكنة مدينة وجدة، إذ نلاحظ أن مواقف حزب الاتحاد الاشتراكي داخل المجلس الجماعي تسلك منحىً ومسارًا معينين، بينما تأخذ داخل قبة البرلمان مسارًا مختلفًا تمامًا».

مضيفًا أنه: «إذا كنا، كحقوقيين، نعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي من حيث المبادئ والرؤى أقرب إلينا، فإننا في مدينة وجدة لا نلمس هذا التقارب على أرض الواقع. فكلما انتقدنا سلوك الحزب، سواء من داخل الكتابة الإقليمية بوجدة أو على مستوى اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، إلا وواجهنا مزيدًا من النفور من طرف بعض مكوناته، باعتبارنا هيئة حقوقية مستقلة لا تقبل باستغلال معاناة الساكنة والملفات ذات الطابع الحقوقي والاجتماعي، وعلى رأسها ملف النقل الحضري، كمواد للحملات الانتخابية أو كـ“بوز” ظرفي داخل الوسائط الانتخابية».

وبين سؤال يُطرح داخل قبة البرلمان، ومواقف محلية تُكرّس واقعًا متعثرًا، يجد حزب الاتحاد الاشتراكي بوجدة نفسه اليوم أمام مساءلة سياسية حقيقية، خاصة في ظل القطيعة المسجّلة مع ذراعه النقابي، حيث كشفت مصادرنا أن هذا الأخير لم يتم التنسيق معه بخصوص طرح السؤال البرلماني المتعلق بملف سيارات الأجرة، وهو ما يطرح سؤالاً حقيقيا حول مدى جدية الأحزاب السياسية في الترافع عن معانات ساكنة مدينة الألفية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى